لماذا يُعد بقاء عبد المجيد تبون لولاية ثانية رئيسا للجزائر الأفضل "استراتيجيا" بالنسبة للمغرب؟
يستعد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، للدخول في العهدة الثانية من ولايته، مدتها 5 سنوات أخرى، لا يُنتظر أن تشهد خلالها العلاقات مع المغرب تحسنا على المستوى الدبلوماسي، على الأقل في بدايتها، لكن مع ذلك، فإن العديد من المؤشرات توحي بأن هذه الاستمرارية داخل قصر المرادية لن تكون سيئة بالنسبة للرباط، خصوصا في ملف الصحراء.
ومنذ استلامه مقاليد رئاسة الجمهورية أواخر سنة 2019، لم يصدر عن تبون أي تصرف ودي تجاه المغرب، لكن ما جنته الرباط على المستوى الميداني والدبلوماسي أمام الجزائر، في العديد من القضايا، وخصوصا في ما يتعلق بسيادتها على الأقاليم الصحراوية، يتجاوز بكثير ما جرى تحقيقه في فترة العديد من الرؤساء السابقين.
وشهدت العلاقات المغربية الجزائرية تحسنا واضحا في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي رسم، رفقة الملك الراحل الحسن الثاني، في نهاية الثمانينات، ملامح تقارب إقليمي انتهى بإعلان مراكش سنة 1989 المؤسس لاتحاد مغاربي مكون من 5 دول، هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، وبالتالي إبعاد جبهة "البوليساريو" الانفصالية عن المعادلة المغاربية.
وإذا كانت الحرب الأهلية الجزائرية، أو "العشرية السوداء"، قد أدت إلى تجميد هذا المسار، فإن وصول الرئيس التوافقي، عبد العزيز بوتفليقة، إلى سدة الرئاسة في أبريل من سنة 1999، قبل 3 أشهر من وفاة الملك الحسن الثاني وتولي الملك محمد السادس، مهد لحالة جديدة من المد والجزر في العلاقة مع المغرب، تحت يافطة "اللاسِلم واللاحرب"، مع الميل أكثر لتفادي البحث عن الصراع المباشر.
لكن وصول تبون إلى السلطة إثر حراك 2019، حمل معه خطابا حادا تجاه المغرب، وإعلانا صريحا لدعم الطرح الانفصالي في الصحراء، بل والتلويح بالحرب من طرف رئيس أركان الجيش، والقطب الثاني في السلطة، السعيد شنقريحة، بالإضافة إلى التجييش الإعلامي الذي يُصور المملكة كـ"عدو تقليدي" يستهدف البلاد، ويُحول ملف الصحراء إلى موضوع "سيادة وطنية جزائرية".
لكن، وللمُفارقة، فإنه على مستوى النتائج الفعلية، بعيدا عن الصراع الكلامي، حصد المغرب مكاسب كانت تبدو مُستبعدة، ولم تصل إليها الرباط لا في عهد الرئيس بن جديد ولا الرئيس بوتفليقة، وتحديدا في ملف الصحراء الذي أصبحت المبادرة المغربية للحكم الذاتي، عمليا، الصيغة الوحيدة المطروحة على الطاولة من أجل إنهائه.
فعلى المستوى الميداني، كان قطع عناصر جبهة "البوليساريو" للطريق البري الوحيد بين المغرب وموريتانيا، في منطقة الكركارات، بغطاء سياسي من الجزائر، نقطة تحول رئيسية بدأ بها تبون وشنقريحة عهدهما. وأمام تعارض هذه الخطوة مع توصيات الأمم المتحدة، تحرك المغرب عسكريا من أجل استعادة السيطرة على المنطقة.
التحرك المغربي بتاريخ 13 نونبر 2020، أظهر القوات المسلحة الملكية في موقع متقدم جدا تكتيكيا ولوجيستيا، بعد استعادة السيطرة على المنطقة في غضون ساعات وطرد العناصر الانفصالية منها، ثم توسيع الجدار الأمني نحو مساحات أوسع جنوبا وشرقا في الأسابيع الموالية، لكنه أكد أيضا أن خيار "الحرب" الذي تلوح به الجزائر، ليس واقعيا على الأرض ولن يكون في مصلحتها.
وفي دجنبر من العام نفسه، وجد النظام الجزائري "الجديد" نفسه أمام تحول جذري آخر، حين وقع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مرسوما رئاسيا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، في مقابل اتفاق ثلاثي أمريكي إسرائيلي مغربي، يعيد العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين الرباط وتل أبيب منذ عقدين من الزمن، وهو القرار الذي أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن استمرار العمل به.
وكان ذلك سببا في تحول الجزائر إلى سياسة العداء الصريح للمغرب، التي أفرزت، سنة 2021، قرارا بعدم تجديد عقود خط أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، وإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المغربية، ثم الإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد، ثم تحويل دعم طرح "البوليساريو" الانفصالي إلى مُحدد أول للسياسة الخارجية للبلاد.
هذا المسار الذي حدده رجلان يقتربان من إتمام عقدهما الثامن، ولَّدَ العديد من الأخطاء الاستراتيجية التي مست مصالح دول أخرى، وخصوصا إسبانيا التي وجدت نفسها مضطرة للقبول بشكل سري بدخول زعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية إلى أراضيها، بواسطة وثائق هوية مزيفة وعلى متن طائرة رسمية جزائرية، من أجل تلقي العلاج دون الخضوع للمتابعة القضائية، وذلك في مقابل امتيازات على مستوى استيراد الغاز.
وفي مارس من سنة 2022، تكون نتيجة تلك الأخطاء، المُحاطة بفشل دبلوماسي واستخباراتي جزائري واضح، هي إعلان إسبانيا المستعمر السابق للصحراء، عبر رسالة من رئيس وزرائها بيدرو سانشيز، إلى الملك محمد السادس، دعم مخطط الحكم الذاتي في المنطقة تحت السيادة المغربية، والإقرار بـ"أهميتها" بالنسبة للمغرب، وهي الخطوة التي ستمثل تحولا جذريا في مسار العلاقات بين البلدين.
الجزائر، التي فقدت "الحياد" الإسباني في ملف الصحراء، ستجد نفسها مطالبة بالتعامل مع وضع جديد لم ترثه عن عهد بوتفليقة، إذ بالتزامن مع انتشار دعم السيادة المغربية على الصحراء وسط بلدان القارة الإفريقية، أصبح مقترح الحكم الذاتي المغربي يحظى بدعم متزايد داخل قارات أخرى، وخصوصا بين الدول الأوروبية.
ومكن النهج المتبع من طرف الجزائر في عهدة تبون الأولى، المغرب من الدخول في مواجهة مباشرة مع الدبلوماسية الجزائرية، اتضح أنها "غير متكافئة"، رغم لعب قصر المرادية لورقة النفط والغاز، وهو ما برزت نتائجه داخل أروقة الأمم المتحدة، وخصوصا في مجلس الأمن الذي أصبت تقاريره الدورية محط ترحيب الرباط وسخط الجزائر.
وفي نهاية ولايته الأولى، حصل تبون على صدمة دبلوماسية جديدة، بعد الصدمة الأمريكية في بداية العهدة، ثم الإسبانية في منتصفها، وذلك بعدما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في رسالة للملك محمد السادس دعم بلاده للسيادة المغربية على الصحراء، بعدما فشلت الدبلوماسية الجزائرية في إقناعه بالاستمرار في محاولات كسب ود قصر المرادية.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :